إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
} النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70
} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ]
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة والأخوات، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
منزلا، وأسأل الله الكريم– جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته،
أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه
..
أحبتي في الله : قالوا عن الزلزال .
هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم ، في هذا اليوم الكريم المبارك وكعادتي حتى لا ينسحب
بساط الوقت من تحت أقدامنا ، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع المهم في
العناصر التالية :
أولاً : إنه من فعل الطبيعة .
ثانياً : ونقول : إن في ذلك لآية .
ثالثاً : الزلزال والزلزلة .
وأخيراً : هل من توبة .
فأعيروني القلوب والأسماع، والله ما أخرني عن الحديث في هذا الموضوع الكبير ، إلا أنني
انشغلت بقضيتين جليلتين كبيرتين، كان من الواجب اللازم أن أرد فيهما ، وأن أبين الحق
ألا وهما: قضية الفرقان الحق ، أما القضية الثانية فكانت ذوداً عن أمنا أم المؤمنين،
عن حبيبة رسول الله r عائشة رضي الله عنها وأرضاها .
ثم نتحدث اليوم عن هذه القضية الكبيرة ، إذ إنني أدين الله أنه لا ينبغي أن يكون الدعاة
والعلماء بأطروحاتهم وموضوعاتهم في جانب ، وأن تكون البشرية عامة والأمة خاصة بمشكلاتها
وأزماتها ، في جانب آخر .
فمهما تكلم العلماء ، خبراء الأرصاد ، وعلماء الجيولوجيا ، والمتخصصون في الزلازل إلى
غير ذلك ، فأن الأمة تظل منتظرة ، أن تسمع كلمة العلماء ، تظل الأمة تنتظر أن تسمع
الحق من كتاب الله ، ومن كلام الصادق سيدنا رسول الله r .
ومن ثم فأنا أتحدث اليوم عن هذا الموضوع بع ما قرأت كلمات خطيرة تفوه بها الكثيرون
ممن ينتسبون إلى العلم التخصصي .
أولاً : قالوا عن الزلزال .
قالوا : إنه من فعل الطبيعة ، أحبتي في الله : أقرر وأؤكد من البداية ، أنه يجب علينا
نحن المسلمين أن نحترم ، ونقدر العلم الحديث ، والإدراك البشري ، لكن في الحدود التي
حدها لنا الرب العلي ، حتى لا نسير في التيه والضلال بلا دليل أو برهان ، وحتى لا نصل
في نهاية هذا الطريق ، إلى أن نجعل من العلم الحديث ، والإدراك البشري نداً للرب العلي
.
فالإسلام لا يطمس نور العلم أبداً ، والإسلام لا يصادم إبداع العقل البتة لكن الإسلام
يأذن للعلم وللعقل أن يبدعا في مجال محدد ، ولا ينبغي أن يتجاوز العلم ، أو العقل على
السواء .
لا يستقل العقل دون هداية
كالطرف دون النور ، ليس بمدرك
نور النبوة مثل نور الشمس
فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها
طرق الهدى محدودة إلا على
فإذا عدلت عن الطريق تعمدا
يا طالباً درك الهدى بالعقل دو
بالوحي تأصيلا ، ولا تفصيلا
حتى يراه بكرة وأصيلا
للعين البصيرة فاتخذه دليلا
فالعقل لا يهديك قط سبيلا
من أم هذا الوحي والتنزيلا
فأعلم بأنك ما أردت وصولا
ن النقل لن تلقى لذاك دليلا
الإسلام لا يصادم الإدراك البشري ولا يصادم إبداع العقل ، وما يؤصله ، ويقرره العلم
الحديث ، بل إن أول آية نزلت على قلب النبي r الأمي الذي علم المتعلمين ، وسبق العلماء
والمبدعين والمفكرين، إن أول آية نزلت على قلبه تدعو إلى العلم:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3}
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق /
1-5] فصفة العلم من أجل صفات الله جل وعلا ، فالله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير
الذي يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون ، فالله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير الذي
يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، قال سبحانه
وتعالى : {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ
مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [ لقمان /32] .
قال سبحانه وتعالى : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ
مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ
حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
}[الأنعام/59] .
فالإسلام لا يحارب العلم بل يدعو إلى العلم، ولا حرج يا شباب، أن يفسر العلماء الزلزال
تفسيرا علميا ، ولا حرج ، لا حرج أن يخرج علينا المتخصصون ويقولون: الزلزال هِزة أو
هَزة أرضية تصيب الأرض، بسبب حدوث خلل في بعض أجزاء القشرة الأرضية ، أو بسبب فوران
البراكين ، أو بسبب تصدع أو انفجار لضغط البخار ، في باطن الأرض.
لا حرج هذا تفسير علمي للزلزال ، لا نصادمه ولا ننكره ، إذ إنه لا تعارض بين الأسباب،
والحكم ، لا تعارض بين الأسباب و الحكم فلا حرج أن نفسر الزلزال تفسيراً علمياً، لكن
الحرج كل الحرج ، أن يخرج علينا من العلماء من ينسبون الزلزال إلى الطبيعة، ثم يقولون
: إنه من فعل الطبيعة وإن الزلزال لا صلة له بالله ولا دخل له في قدر ولا دين، ولا
علاقة له بمعصية أو إيمان كلا، كلا، كلا، نرفض ذلك رفضاً بَيِّنا وسندلل على ذلك بالقرآن
والسنة.
هذا قول مرفوض بل إن من أعجب ما قرأت في هذا الباب ما قاله عالم الطبيعة الإنجليزي
الشهير (( سير جيمس )) وأنا استشهد بقولة عالم إنجليزي ، وسأستشهد بقولة عالم أمريكي
، لأن كثيراً من هؤلاء العلماء لا يصدقون الوحي الرباني ، إنما هم يركعون في محراب
الوحي الأوربي والأمريكي .
يقول سير جيمس : لقد كان العلم القديم يقرر تقرير الواثق أن الطبيعة لا يمكن أن تسير
إلا في طريق واحد ، هو ذلك الطريق الذي رسم لها من البداية ، لتسير فيه من بداية الزمن
إلى نهايته .
ثم يمضي هذا العالم الإنجليزي ويقول : أما العلم الحديث فكل ما يستطيع أن يقرره إلى
الآن ما هو إلا احتمالات ، أما ما يجب أن يكون فهو أمر موكول إلى الأقدار ، مهما تكن
حقيقة هذه الأقدار ، هذا كلام عالم إنجليزي ، وإن كنا نود أن نضع له هامشا علا كلامه
الأخير : مهما تكن طبيعة هذه الأقدار فنحن ندين الله كموحدين ، بأن القدر لا مشيئة
له ، وبأن القدر لا إرادة له إنما هي مشيئة الله ، وإرادة الله تبارك وتعالى .
ومرتبة المشيئة والإرادة ، إنما هي المرتبة الثالثة من مراتب القدر الأربع : فالقدر
له أربع مراتب .
المرتبة الأولى : مرتبة العلم . والمرتبة الثانية : مرتبة الكتابة . والمرتبة الثالثة
: مرتبة المشيئة والإرادة .
والمرتبة الرابعة : مرتبة الخلق ، لقد فصلت ذلك تفصيلا في دروس العقيدة ، ولله الحمد
.
ومن جميل ما قاله هذا العالم الأمريكي المتخصص (( مارد إستانلي )) يقول : إن كل العلوم
التي يصل إليها الإنسان تبدأ بالاحتمالات وتنتهي بالاحتمالات كذلك ، وليس باليقين ،
إن كل العلوم التي يصل إليها الإنسان تبدأ بالاحتمالات وتنتهي بالاحتمالات كذلك ، وليس
باليقين .
ثم يقول : ولذا نرى أن العالم حين يصل إلى قانون أو نظرية يقول : هذا آخر ما توصلنا
إليه ، ثم يدع الباب بعد ذلك مفتوحاً ، لما يأتي من التعديلات ، انتبه معي لكل لفظة
، هذه الكلمات على اختصارها تقرر وتؤكد حقيقة علمية مذهلة ، ألا وهي أن كل ما يصل إليه
الإنسان عن طريق التجربة والقياس ، فعلماء الأرض مجمعون على أن الإنسان لا يصل إلى
نتيجة علمية في أي جانب إلا بالتجربة والقياس وهم مجمعون على أن هذه الوسيلة لا تؤدي
إلى نتائج يقينية ، إنما تؤدي إلى نتائج ظنية ، هذا إجماع من علماء الأرض .
إذن الإنسان ما دام هو الذي يبحث عن النتيجة العلمية ، فستأتي النتيجة حتما مصبوغة
بصيغة الإنسان من ضعف ومحدودية وجهل وقصور ، فالإنسان محكوم بجهله ، بضعفه ، بخطئه
، بتقصيره ، فإن عاش الإنسان في زمان ، فهو لا يعيش في غيره ، وإن عاش في مكان ، فهو
لا يعيش في غيره في آن واحد .
ومن ثم تأتي نتائجه مصبوغة بصبغته وخصائصه ، من قصور ، وجهل ، وضعف فالحقائق اليقينية
المطلقة ، هي التي يقررها القرآن ومحمد عليه الصلاة والسلام ، لأنه وحي من الله جل
وعلا ، قرآن وسنة .
ومن ثم ينقسم العلماء بعد هذا التأصيل المهم الذي أصلت إلى صنفين :
الصنف الأول : العلماء الذين لا يزدادون بالاكتشافات العلمية والآيات الكونية إلا إيماناً
وتسليماً ، وإذعاناً وانقياداً وحباً لله جل وعلا ، أسأل الله أن نكون مع هؤلاء الأخيار
.
أما الصنف الثاني : فهم الذين لا يزدادون بالاكتشافات العلمية والآيات الكونية إلا
غرورا وكبرا وعنادا وإعراضا واستعلاء .
ومن هؤلاء الذين رفعوا عقيرتهم في الأيام الماضية ، وخرجوا علينا بهذه الكلمات الخطيرة
، وقالوا بأن الزلازل والبراكين والعواصف الثلجية ، وغير ذلك من الظواهر إنما هي ظواهر
طبيعية مجردة بفعل الطبيعة ، لا صلة لها بالله ولا علاقة لها بدين ، ثم تعجبوا من علماء
المسلمين الذين أرادوا أن يصبغوا هذه الآيات الكونية ، وهذه الظواهر العلمية بالصبغة
الشرعية ، ودللوا على ذلك بآيات رب البرية ، وكلام سيد البشرية استهزأوا بهؤلاء وسخروا
منهم وقالوا : عجبا لهؤلاء العلماء أو لهؤلاء المسلمين يريدون أن يدخلوا أنوفهم حتى
في الزلازل والبراكين ، حتى في هذه العواصف الثلجية ، والظواهر الطبيعية .
وهذا هو ما نقرره أيها الأفاضل ونقول : إن في ذلك لآية .
وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء ، فإننا نحن الموحدون نعتقد اعتقاداً جازماً
أنه ما من ذرة في هذا الكون ، من عرشه إلى فرشه ، إلا وهي في قبضة الملك ، لا يقع شيء
في الكون إلا بعلمه وبأمره ، وتحت سمعه وبصره ى أقول تسقط قنبلة أو قذيفة أو صاروخ
، أو طائرة فحسب ، بل لا تسقط ورقة من شجرة أو نخلة في بقعة من بقاع الأرض كلها إلا
بعلم الملك ، وتحت سمعه وبصره : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ
هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ
يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ
فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }[الأنعام/59] .
فالمؤمن يؤمن بأن كل شيء في الكون بقدر ، ولا يصح للمؤمن إيمان إلا إن آمن بالقدر ،
خيره وشره ، كما قال سيد وإمام المرسلين r حين سأله جبريل ما الإيمان ؟ قال: (( أن
تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ))(1) (( أن تؤمن بالله وملائكته
ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )) .
هذه أركان الإيمان ، لا يصح إيمانك البتة إلا بها ، وإن حققتها فالزلازل والبراكين
التي ضربت شرق آسيا والعواصف الثلجية ، التي ضربت شمال أمريكا كلها آيات من آيات رب
الأرض والسماوات ، تقع في الوقت الذي يشاء ، وفي المكان الذي يشاء وبالقدر الذي يشاء
.
تدبر قول رب الأرض والسماء {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ
لَهُ} اللهم اصرف عنا السوء {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ
لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد/11] .
أين أجهزة الإنذار المبكر للزلازل والبراكين ، أين كانت الأجهزة، أين كان العلم، لقد
ارتفع الموج نتيجة للزلازل إلى أربعين متراً في السماء، لقد وصلت سرعة الموج إلى ألف
كيلو متر في الساعة الواحدة، لقد دمرت حضارات وأبيدت بيوت، وهاج الناس ، وماجوا ، ووقع
الناس في أمر مريج وهدم ما شَّيد في الدهور، وكأن إسرافيل قد نفخ في الصور ، في ثوان
معدودات.
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا
زلازل تخشع الصم الصلاب لها
مضى دقيقة يرج الأرض
مضى دقيقة يرج الأرض
ماجت بهم أرضهم حتى كأنهم
لقد أحاطت بنا يا رب بأساء
لقد أحاطت بنا يا رب بأساء
وكيف يقوى على الزلزال أحياء
فانصدعت عن منظر فيه الناس عشواء
فانصدعت عن منظر فيه الناس عشواء
ركاب بحر تعلوه الريح هوجاء
{وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ
مِن وَالٍ} [الرعد/11]
فالزلازل والبراكين والعواصف الثلجية إلى غير ذلك ، إنما هي آيات من آيات رب البرية،
إنما هي جند من جند الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو} [المدثر/31]
يرسلها الله تخويفا للكافرين وابتلاء للمؤمنين، وعتاباً للمقصرين والمذنبين، قال رب
العالمين:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} [الإسراء/59] هل تصدقون الله؟
{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} [الإسراء/59] قال جلا وعلا: {وَلَقَدْ
أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن
قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [ الأنعام/43،42]
قال جل وعلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم/41]
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
[الروم/41].
فوالله لا ينول بلاء إلا بذنوب البشر ولا يرفع هذا البلاء إلا بالتوبة لرب البشر. روى
ابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في مستدركه، وغيرهما بسند صحيح والبيهقي في الدلائل
بسند صحيح من حديث صفية بنت أبي عبيد. أن الأرض تزلزلت على عهد عمر بن الخطاب فخرج
عمر وقال: ((والله ما تزلزلت إلا لأمر أحدثتموه، والله إن عادت لا أساكنكم فيها أبداً
)) ([1]) لا إله إلا الله ، والله ما وقع ما وقع إلا بذنوب البشر ، إلا بكفر من أعلن
الكفر، وتحدى الله جل وعلا ، والله ما وقع ما وقع ، ولا يقع ما يقع إلا بذنوبنا، وتقصيرنا.
اسمع لربك ، اسمع لربك ، أنا لا أقول هذا من كيسي ولا من عند نفسي قال جل وعلا. {وَمَا
أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى/30]
آه . . . { وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } قال سبحانه : {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ
لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ
لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف/58] قال سبحانه: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ
عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ
أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ
الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [الأنعام/65] .
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا ، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
لقد دخل الحبيب يوما على زينب أم المؤمنين دخل عليها فزعاً، وفي لفظ: قام يوماً من
نومه عندها فزعاً ، والحديث في الصحيحين وهو يقول بأبي هو وأمي: ((لا إله إلا الله،
لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه))
وحلق النبي r بإصبعيه السبابة والإبهام فقالت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها: يا رسول
الله: أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : (( نعم إذا كثر الخبث ))([2]) .
وأنا اقسم بالله لقد كثر الخبث، والله لقد كثر الخبث، والله لقد انتشر الكفر، والله
لقد عم الظلم الأرض، والله لقد سفكت الدماء، والله لقد حورب رب السماء والأرض بالربا،
والله لقد حورب الله بأكل أموال اليتامى، والله ثم والله لقد أكل الحرام، وانتشر الزنا،
وكثر الربا ، وشربت الخمور، وحولت بعض أندية الليل الليلَ إلى نهار، في أنحاء الأرض،
والله يغار يا موحدون، والله يغار (( أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير من سعد وإن
الله أغير مني من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن )) ([3]).
والله لولا حلم الله لهلكنا والله لولا عفو الله لهلكنا، لخسف الأرض بأهلها، ثم يبعث
الصالحين بعد ذلك على نياتهم، كما، كما قال الصادق في الصحيحين من حديث عائشة اسمع
الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، والحديث رواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك ، بسند صحيح
من حديث عبد الله بن عمر أنه r قال: (( يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن
، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها ، إلا فشت فيهم
الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا
بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء
، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا
من غيرهم ، فأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم
)) ([4]).
فلا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة .
ما الذي أخرج آدم عليه السلام من الجنة ، وما الذي أهلك فرعون وقومه ، وما الذي أهلك
قوم عاد ؟ وما الذي أهلك قوم ثمود ؟ وما الذي أهلك قوم صالح ؟ وما الذي أهلك قارون
؟ وما الذي أهلك الطواغيت في كل زمان ومكان ؟
الجواب في كلمة واحدة : نعم إنها كلمة واحدة : إنها المعصية ، إنها المعصية ، شاء الله
جل وعلا بهذا الزلزال والأمواج العاتية أن يذكر البشر عامة ، والمسلمين والمؤمنين خاصة
، بكثير من الآيات التي تستحق التدبر والتفكر .
وإن أعظم آية أود أن أذكر بها إخواني جميعا ، أن الله أراد في وقت اهتزت الثقة في القلوب
برب العالمين وظن كثير من البشر عامة ، ومن المسلمين خاصة أن أمريكا هي التي تتحكم
في الكون ، وتقول للشيء: كن فيكون ، شاء الله أن يثبت لأهل الأرض أن الله هو الملك
الحق ، وأنه لا يقع شيء في كونه إلا بأمره ، وإذا أراد الله بقوم سوء لا تستطيع قوة
على وجه الأرض ، أن تدفع عن نفسها هذا السوء {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ
كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ
}[الأنعام/17] .
لم تستطع أمريكا أن تحمي شمالها من العواصف الثلجية التي قتلت ودمرت البيوت واقتلعت
الأشجار وحبست ملايين الأمريكيين في بيوتهم على الرغم من هذه الحضارة المادية والعلمية
الحديثة ، لم يستطع رجل ولا امرأة أن يخرج من بيته ولم تستطع سيارة أن تسير في شارع
، أو طريق { أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ } [ النمل /60] .
ثم ألم تقرأ وتسمع وترى أنه وسط هذه الأمواج العاتية التي اقتلعت البيوت والأشجار وقتلت
عشرات الآلاف، ألم تسمع أن وسط هذه الزلزلة المدمرة المرعبة التي نقلت مدناً بكاملها،
بل التي فصمت العُرى ، وأبادت سكان المدن والقرى ، ألم تسمع أن الله جل وعلا أراد أن
يذكر أهل الأرض وأن يرسل رسالة إلى البشر عامة وإلى المسلمين خاصة ، ببقاء بعض المساجد
شامخة تعانق كواكب الجوزاء لم يصيبها أذى أو سوء {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن
كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }[ق/37] ، ثم ذكرت إخواني
في خطبة العيد بإستاد المنصورة بحديقة الحيوان ، في دولة سيريلانكا بعد هذه الزلازل
العاتية والأمواج المروعة دخلت فرق الإنقاذ لحديقة الحيوان الوطنية في سيريلانكا ،
لتسعف الجرحى ولتنقل القتلى من البشر ، ومن الحيوانات النافقة لكنَّ الجميع قد ذهل
، بل لقد طاشت العقول ، فلقد قتل من البشر كل من في الحديقة في الوقت الذي لم يقتل
في الحديقة حيوان واحد .
يا الله !! ذهل العلماء وطاشت عقول رجال الإنقاذ لم يقتل حيوان واحد في قفصه أو سواء
كان حر طليقاً قال بعض العلماء ليزيلوا الدهشة والاستغراب : لا تعجبوا فالحيوانات لها
حاسة سادسة تنذر هذه الحاسة الحيوانات بوقوع الزلازل والبراكين، قلت: عجبا لماذا نحاول
أن نطمس الحقائق ، وأن نستعلى ونتكبر على الحق ؟! هل رأيتم أيها العلماء المنصفون حيوانا
واحد ترك حديقة الحيوان وصعد إلى أعلى قمة جبل حتى لا تصل إليه الأمواج العاتية أو
حتى لا تصل إليه الزلازل ؟! لا ، ثم هل رأيتم حيوانا فارق قفصه الحديدي وهرب بعيدا
عن الزلزال ، أو الأمواج ، لا إذن لماذا لم تقتل الحيوانات ؟ .
إنه الله ، إنه الله ، إنه الله الذي يقع كل شيء في الكون تحت سمعه وبصره ، فالحيوانات
يا سادة لم تظلم أحداً ، الحيوانات لم تسفك الدماء ، الحيوانات لم تمزق الأشلاء ، الحيوانات
لم تدنس المساجد ، الحيوانات لم تدمر المقدسات ، الحيوانات لم تصبغ الأرض باللون الأحمر
، بلون الدماء .
لم نسمع في تاريخ عالم الحيوان ، في حديقة الحيوان ، أو حتى في عالم الغابات ، لم نسمع
أن قائد الحمير الوحشية ، قد خرج مع الحمر الوحشية ، وقام بسطو مسلح على جبلاية القرود
بدعوى البحث عن أسلحة الدمار الشامل ، لم نسمع أن عالم الفيلة قد اعتدى بشراسة ووحشية
على عالم الطيور ، أو على عالم الأسماك ، أو على عالم الدببة أبدا ، إنه عالم من بين
العوالم في الكون يعيش في سلم وسلام ، ووئام .
بل أقسم بالله أن الحيوانات قد تستحي الآن أن تفعل ببعضها البعض ما لا يستحي الإنسان
، أن يفعله اليوم بأخيه الإنسان ، إنها مأساة .
ثم لقد صورت الأقمار الصناعية الخاصة بهم صورت مشهداً رقراقا جليلا رائعاً، وقد نشرته
بعض جرائدنا على استحياء ، على عمود واحد في أسطر قليلة هذا الخبر يقول: حينما انتشرت
الأمواج العاتية ، صوروا بالأقمار الصناعية على سطح الموج بخط عربي واضح لفظ الجلالة
(( الله )) .
لا نقول ذلك من عندنا ، لنحمس الناس ، لا والله نحن لا نعرف الحماسة ونفخ العواطف بالكذب
والباطل ، والله لا نحسن هذا ، ولا نجيد هذا وليس هذا من ديننا البتة ، أقمارهم هي
التي لقطت الصورة الجليلة العظيمة (( الله )) نعم إنه الله ، إنه الله ، إنه الملك
فتعالى الله الملك الحق قال سبحانه : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن
تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[آل عمران/26] .
أنسيتم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ{6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ{7}
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ{8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ{9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ{10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ{11}
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ{12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ{13}
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [ الفجر /14،6] أنسيتم قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ{1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ{2}
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ{3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ{4}
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[ الفيل ] قال المفسرون في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ
الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } [ الأنعام /65]
قالوا: هو الريح والحجارة والصيحة ، وقالوا في قوله تعالى: { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ
} [ الأنعام /65] قالوا : هو الرجفة والخسف والرجفة: هي الزلزال الرجفة هي الزلزلة
، فكل شيء في الكون بقدر، وكل شيء في الكون بعلمه، وتحت سمعه وبصره .
جاء حبر من أحبار اليهود إلى النبي r ليقول له: يا محمد يا محمد إنا نجد مكتوبا عندنا
في التوراة ، أن الله تعالى يجعل السماوات على إصبع ، جل جلاله ويجعل الأرضين على إصبع
، ويجعل الماء والثرى على إصبع، ويجعل الشجر على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع ، ثم
يهزهن ويقول: أنا الملك، فضحك النبي r حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر وقرأ النبي
r قول الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر/67].
نعم نقول بملء أفواهنا : إن في ذلك لآية ، من مات من المسلمين نرجو الله أن يتقبله
عنده في الشهداء ، فمن مات في هدم فهو شهيد والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة
قال النبي r: (( الشهداء خمسة: المطعون ، والمبطون ، والغريق ، والهدم)) أي : من مات
في هدم (( والشهيد في سبيل الله (1) هؤلاء شهداء أمة النبي r .
فمن مات من المسلمين في أندونيسيا وغيرها، فأرجو الله أن يتقبله عنده في الشهداء، ومن
مات من الكافرين، فإنما هي آية من آيات رب العالمين، ومن بقي من المؤمنين والمسلمين،
فينبغي أن نعتبر وأن نتعظ وأن نرجع إلى الله عز وجل وأن نفتش في عيوبنا وتقصيرنا، وأن
نرجع إلى منهج ربنا وإلى منهج نبينا.
ألم تذكرنا هذه المشاهد التي نقلتها كل وكالات الأنباء ، وكل فضائيات الأرض ألم تذكرنا
ولو للحظات بالزلزلة الكبرى .
هذا هو عنصرنا الثالث: الزلزال والزلزلة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى
وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }[الحج/2،1] . أيها العاقل،
بل أيها الغافل ، أيها اللاهي ، أيها الساهي أيها المسرف أيها المذنب .
مثل لنفسك أيها المغرور
إذا كورت شمس النهار وأدنيت
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وإذا الجبال تقلعت بأصولها
وإذا الجبال تقلعت بأصولها
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وإذا العشار تعطلت وتخربت
وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت
وإذا الجليل طوى السما بيمينه
وإذا الصحف نشرت وتطايرت
وإذا الجنين بأمه متعلق
هذا بلا ذنب يخاف جناية
هذا بلا ذنب يخاف جناية
وإذا الجحيم تسعرت نيرانها
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت
يوم القيامة والسماء تمور
وتبددت بعد الضياء كدور
حتى على رأس العباد تسير
فرأيتها مثل السحاب تسير
فرأيتها مثل السحاب تسير
وتبددت بعد الضياء كدور
خلت الديار فما بها معمور
وتقول للأملاك أين نسير ؟
طي السجل كتابه المنشور
وتهتكت للعالمين ستور
يخشى القصاص وقلبه مزعور
كيف المصر على الذنوب دهور
كيف المصر على الذنوب دهور
ولها على أهل الذنوب زفير
لفتى على طول البلاء صبور
قال تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2}
وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا{4} بِأَنَّ رَبَّكَ
أَوْحَى لَهَا{5} يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ{6}
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة] .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى
كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد:
فيا أيها الأحبة ، وأخيرا فهل من توبة وا أسفاه إن دعينا اليوم إلى التوبة ، وما أجبنا
وا حسرتاه إن ذكرنا اليوم بالله وما أنبنا .
آه . . . يا نادما على الذنوب أين أثر ندمك : أين بكاؤك على زلة قدمك ، يا نادما على
الذنوب أين أثر ندمك ؟ أين بكاؤك على زلة قدمك ؟ أما تخشى من العذاب ؟ أما تخشى من
العقاب ؟ ألا تستحي من ألم ووقع العتاب .
يا نفس قد أزف الرحيل
يا نفس قد أزف الرحيل
فتــأهبي يــــا نفـــس
فلتــنزلــــن بمـــنزل
وليركبن عليك فيهم
قرن الفناء بنا جميعا
وأظلك الخطب الجليل
وأظلك الخطب الجليل
لا يلعب بك الأمل الطويل
ينسى الخليل به الخليل
من الثرى ثقل ثقيل
فلا يبقى العزيز ولا الذليل
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} [ التحريم/8] {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} { تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} {تُوبُوا إِلَى
اللَّهِ} { تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ
عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا
وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[التحريم/8].
ما من يوم إلا ويتنزل الملك، تنزيلا يليق بكماله وجلاله ، إلى السماء الدنيا ، حين
يمضي ثلث الليل الأول والحديث في الصحيحين ويقول ربنا: ((أنا الملك أنا الملك من ذا
الذي يدعوني، فأستجب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا
يزال كذلك حتى يضيء الفجر)) (1).
هيا هيا أيها اللاهي الساهي
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا
لم ينسه الملكان حين نسيته
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التي تسعى لها
الليل فاعلم والنهار كلاهما
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
ستردها بالرغم منك وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
متى ستحافظ على الصلاة؟ متى ستصلي الفجر في جماعة؟ متى ستترك أكل الربا؟ متى ستترك
أموال اليتامى؟ متى ستترك أكل الحرام؟ متى ستحسن إلى والديك؟ متى ستحسن إلى إخوانك
وأخواتك؟ متى ستحسن إلى جيرانك وزملاء العمل؟ متى تتقي الله وتقوم بالليل لتصلي لله
جل وعلا؟ متى ترجع؟ متى تحقق التوحيد؟ متى تتحرك للدين؟ متى تأمر بالمعروف بمعروف؟
متى تنهي عن المنكر بغير منكر؟ متى ستلجم لسانك عن الغيبة والنميمة ؟ متى ستلجم لسانك
عن ظلم الخلق والقول الباطل ؟ متى متى متى متى ستتوب ؟
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[النور/31].
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان
بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر ، وإغلاظ
القول في حقه (8/1) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان
، باب سؤال جبريل النبي r (50) مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان
ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن
بالقدر ، وإغلاظ القول في حقه (9/5/6) ، ( 10/7) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/221) (8335) ، وأبو نعيم في الفتن (2/620) (1731)
.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول النبي r (( ويل للعرب من شر قد اقترب (7059)
، وباب يأجوج ومأجوج (7135) ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب اقتراب الفتن
، وفتح ردم يأجوج ومأجوج (28802،1) والترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في يأجوج ومأجوج
(2187) وأحمد في المسند (6/429،428) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، باب {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (4637)، وفي كتاب النكاح ، باب الغيرة (5220) ومسلم في
كتاب التوبة ، باب غيرة الله تعالى ، وتحريم الفواحش (2760/35،32) وأحمد في المسند
(1/436،426) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن ، باب العقوبات (4019) ، وفقي الزوائد : (( هذا حديث
صالح للعمل به وقد اختلفوا في ابن أبي مالك وأببيه )) ، والحاكم في المستدرك في كتاب
الفتن والملاحم (4/541،540) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد لم يخرجاه ووافقه الذهبي
.
(1) – أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب الشهادة سبع سوي القتل (2829) ، ومسلم
في كتاب الإمارة ، باب بيان الشهداء (1914/164) ، والترمذي في كتاب الجنائز ، باب ما
جاء في الشهداء من هم ؟ (1063) وأحمد في المسند (2/533،335) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (1145) ، ومسلم
في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة
فيه (758/172،168) ، وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب أي الليل أفضل ؟ (1315) ، والترمذي
في كتاب الدعوات، باب (79) (3498) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ،
باب ما جاء أي ساعات الليل أفضل (1366) ، وأحمد في المسند (2/504،487،433،419) من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه .